لقاء في موسم المظلومية أعقبه لقاء آخر في فصل كانت اجواؤه مليئة براحة دم الابرياء .. عندما ترى الشخص الاستثنائي صاحب الكتفين العريضتين وتسمع حديثه الدافئ بالأيمان وهو يحمل هموم بلاده ,فإنك حتما ستدرك من هذا الاستثناء ستظهر ثلة وطنية تعدّ قاعدة الدفاع المستقبلية للوطن .
ولكن من أية بيئة خرج النقيب فيصل منشد الحواس؟ و ماتقيمنا لوطنيته ؟
اعلم كيف تربى ونشأ في قرية الحواس بالغراف !,فهو من أهل البيوتات الصالحة وذوي الاحساب والكرم من الذين هم ابلغ في عواقب الامور شرفا, وما سمعته من جدي وابي في عهد الملوكية بالعراق في عصر مشيخة جده حواس حين وقع قحط شديد على مؤونة الناس , مما دعا شيخ العشيرة أن يستقبل كل فقير ليأكل من طعامه غداء وعشاء .
وفي ذات ليلة كان حواس يتفقد ضيوف الرحمن وهم يأكلون ويومئذ لم يكن هناك خطوط للكهرباء فاستعاض الناس بالقناديل ,فرأى يد سيدة ترتدي زي الرجال وتجلس على المائدة و تأخذ من الطعام وتضع في كيس ,فأمر الشيخ بإطفاء القناديل قائلا ليأكلوا براحتهم ولا تؤذيهم الحشرات , ولكن قصده ان تأخذ هذه السيدة ما تريد من طعام دون ان يراها احد , ففي هذا المضيف كانت نشأة الضابط الحفيد .
التقيت مرة في دار اقربائه ببغداد مدينة الحرية وتبادلنا الحديث عن أهمية التعايش السلمي في تلك المحافظة وكيف ان المسيحيين والمذاهب الاسلامية يعيشون بمودة ومحبة فيما بينهم رغم وجود حاكم طاغية , وانا انظر بحدقة عينيه السوداوين الواسعتين وبريقهما يشير الى انه مشروع شهادة !
مرت السنون فسكنت قريبا من مسقط رأسه , وزارنا مع والده الراحل في سنة 2011, وتحسست من كلامه ايمانه الكامل بمحاربة الارهاب من خلال عمله كضابط في الحرس الوطني ببغداد وسألته : ـ ما رأي أهالي منطقة الاعظمية وهم من المذهب السني بما يحدث من ارهاب ؟
فأجابني بحسرة , الناس مغلوبة على امرها بودها العيش بأمان ,لكن تنظيم القاعدة الارهابي لا يسمح لهم بالحرية , بل وقتل منهم , وأردف القول : هل سمعت بحادثة جسر الائمة , أما سمعت عن الشهيد عثمان العبيدي الذي انقذ الكثير من زوار الامام الكاظم (ع) من الغرق ومات شهيدا .
حينها فهمت بأن الوطني الحق هو من يدافع عن كل مواطن عراقي بغض النظر عن المذهب والديانة او القومية .
وبعد هذا اللقاء بثلاثة اشهر , وفي يوم الانتخابات أقبلت عطايا الدم للدفاع عن الناخبين السنة في الاعظمية بمثابة رد جميل لما فعله الشهيد / عثمان العبيدي ,فأورقت وازهرت تلك العطايا , لتغرس زرعا ينمو بقوافل المجد في دروب ذات الشوكة ,فتزداد الوطنية تألقا في آفاق الانفس , هي ابداعات اخوانهم الشيعة الذين منهم نقيب فيصل الذي رمى بنفسه على الارهابي الانتحاري الذي اراد تفجير نفسه على الناخبين ,وسحبه الى ساحة فارغه ليتذرى معاً في الهواء ويختم حياته بالنبل والكرامة .